كتب بيت الشعر في مطلعه فيا ليت الشباب يعود يوماً قبل ألف عامٍ تقريباً، ولا تزال كلمات هذا البيت تتردد على مسامعنا حتى اليوم، فهي تُعبر عن الحالة النفسية في الكبر، ويحمل البيت في طيّاته نشيد الاستسلام أمام الجبروت، فما أن يزداد الرجل تقدماً في العمر إلا قد خارت قواه ووهن عظمه واصبح ينتظر آخر أيامه، وفي هذا البيت استحضر الشاعر امانيه بعودة الشباب بأسلوب جمالي رائع ومنمق،
صاحب مقولة فيا ليت الشباب يعود يوما
صاحب مقولة فيا ليت الشباب يعود يوما هو الشاعر العباسي الكبير أبو العتاهية، كتبها منذ أكثر من ألف عام ولا زالت الى اليوم باقية، وجاءت هذه الكلمات لتعلمنا كيف نستمتع في حياتنا في كل لحظة نعيشها، فالحياة نعمة من نعم الله تعالى علينا، فلا بد من الجد والعمل والاجتهاد في طاعة الله وعمل الخيرات والصالحات لكي تكون آخر أيامنا سعيدة ونلقى الله تعالى بقلبٍ نظيف ووجهٍ حسن، وجاءت قصيدة أبو العتاهية بمقطعٍ جميل يقول:
بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني
فَلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَحيبُ
فَيا أَسَفا أَسِفتُ عَلى شَبابِ
نَعاهُ الشَيبُ وَالرَأسُ الخَضيبُ
عَريتُ مِنَ الشَبابِ وَكانَ غَضّاً
كَما يَعرى مِنَ الوَرَقِ القَضيبُ
فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً
فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ
من هو صاحب مقولة فيا ليت الشباب يعود يوما
من هو الشاعر أبو العتاهية
أبو العتاهية هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي أبو إسحاق، ولد في عين التمر عام 130 هجري وانتقل بعد ذلك الى العيش في الكوفة، وكان يعيش الجرار، وحب العلم واصبح يتعلم الادب والشعر حتى نبغ فيه، وانتقل بعد ذلك الى بغداد واتصل بالخلفاء، حيث مدح الخليفة المهدي والخليفة الهادي والخليفة هارون الرشيد، وتم تسميته بأبو العتاهية لما عرف به في حياته وشبابه من مجون ولكنه قد كف عن حياة اللهو والمجون ومال الى الزهد والتنسك وانصرف على جميع ملذات الحياة وشغل بخواطر الموت ودعا الناس لأن يتزودوا من دار الفناء الى دار البقاء، وكان أبو العتاهية قد قدم من منطقة الكوفة الى بغداد مع إبراهيم الموصلي، وكان مشهورة بفصاحة وبلاغة شعره واستمع المهدي الى شعر ابي العتاهية واعجب به ونال رضاه، ويتميز شعر أبو العتاهية بسهولة الألفاظ ووضوح المعاني ويمثل روحية فقير هجر الحياة وملذاتها وسلك الطريق نحو الآخرة.
شعر أبو العتاهية
قدم أبو العتاهية الكثير من الشعر خلال حياته، وكان بارعاً ومميزاً في الشعر، ومن الاشعار التي قدمها أبو العتاهية:
- نَصَبتِ لَنا دونَ التَفَكُّرِ يا دُنيا
- أَمانِيَّ يَفنى العُمرُ مِن قَبلِ أَن تَفنى
- مَتى تَنقَضي حاجاتُ مَن لَيسَ واصِلاً
- إِلى حاجَةٍ حَتّى تَكونَ لَهُ أُخرى
- لِكُلِّ امرِئٍ فيما قَضى اللَهُ خُطَّةٌ
- مِنَ الأَمرِ فيها يَستَوي العَبدُ وَالمَولى
- وَإِنَّ امرَأً يَسعى لِغَيرِ نِهايَةٍ
- لَمُنغَمِسٌ في لُجَّةِ الفاقَةِ الكُبرى
متى توفي أبو العتاهية
توفي الشاعر العباسي أبو العتاهية في مدينة بغداد في زمن العباسيين، واختلفت الاقوال في زمن وفاته حيث قيل أنه توفي سنة 213 هجري 826 ميلادي.